صوت من خلف الجدار

صوت من خلف الجدار – قصة واقعية مؤثرة عن العزلة والرحمة
✍️ بقلم: عبد الرحمن زكريا | فريق قصة ورواية
في قصة اليوم من تصنيف قصص منوعة سوف تقرؤون قصة حقيقية مؤثرة عن رجل يعيش في عزلة حتى يسمع ذات يوم صوت بكاء خافت من الجدار المجاور، ليبدأ رحلة بحث عن إنسان غائب خلف الحيطان.
في أحد الأحياء القديمة، حيث الجدران رطبة والشقق متقاربة كأنها تتنفس نفس الهواء، عاش “كمال” وحده في شقة صغيرة منذ سنوات.
لم يكن له أهل قريبون، ولم يكن يزور أحدًا، ولا يزوره أحد.
روتينه اليومي يبدأ مع شروق الشمس، وينتهي بصوت التلفاز الذي يبقى مشتعلاً ليملأ الصمت الذي يحيط به من كل جهة.
في إحدى الليالي، وبينما كان يشرب شايه، سمع شيئًا غريبًا.
صوت بكاء.
كان الصوت خافتًا، متقطعًا، قادمًا من الجدار الذي يفصله عن الشقة المجاورة.
توقف، خفّض صوت التلفاز، وأصغى جيدًا.
لم يكن وهمًا.
بكاء أنثوي، خفيف، أشبه بهمسة قلب مكسور.
في البداية تجاهله، ظانًا أنه مجرد حالة عابرة، لكن في اليوم التالي، وعند نفس الوقت تقريبًا، عاد الصوت… ثم تكرر اليوم الذي يليه.
في اليوم الرابع، لم يستطع كمال أن يواصل صمته،
خرج من شقته، وطرق باب الجار المجاور… لكن لا رد.
طرق أكثر. لا إجابة.
سأل البواب:
“من يسكن في الشقة 12؟”
قال البواب بتردد:
“امرأة كبيرة اسمها أم سناء، أرملة، ما شفناها من أيام… لكنها ما تفتح لأحد.”
أدرك كمال أن هناك شيئًا غير طبيعي.
اتصل بالشرطة.
جاؤوا، وفتحوا الباب.
كان المشهد صادمًا.
امرأة سبعينية، ممدة على الأرض منذ يومين، بلا طعام ولا ماء، ضعيفة، لا تقوى حتى على الكلام.
كانت تتنفس… بالكاد.
نُقلت إلى المستشفى فورًا.
وعندما استعادت وعيها، سألت الطبيب:
“من الذي سمعني؟”
قال الطبيب:
“رجل اسمه كمال، جارك.”
قالت باكية:
“كنت أظنه ميتًا مثل وحدتي… لكن صوته أنقذني دون أن أراه.”
زارها كمال في المستشفى.
جلست تبكي، وتقول له:
“ما كنت أظن إن صوتي ممكن يوصلك.”
قال لها:
“ولا أنا كنت أظن إني ممكن أفتح بابي لحد بعد كل هذه السنين.”
مرت أيام، وعادت أم سناء إلى بيتها، لكن هذه المرة، لم تعد وحدها.
كمال صار يزورها كل مساء، يجلس معها، يسمع حكاياتها القديمة، ويتحدث عن أيامه التي مرت كأنها صفحة مهملة.
وفي الحي… بدأت حكايتهم تنتشر.
اثنان عاشا في العزلة، كلٌ منهما ينتظر أن يسمعه أحد.
وفي لحظة بكاء، عبر جدار بارد… أصبح كلٌ منهما دفئًا للآخر.